مقال د.عادل العوفي
إلى أصحاب القلوب الذهبية
الإخوة ولأخوات أصدقاء مرضى "الزهايمر"
بهذه الكلمات الجميلة أهدي أقصوصته "الزهايمر" الذي تمت طباعتها في أغسطس 2010 أي بعد رحيله (رحمه الله).
يروي لنا القصيبي قصة يعقوب العريان هذا الرجل السبعيني الذي وقف أمام بائعة العطور ليشتري زجاجة من عطر زوجته المفضل " إكسنتركس". تسأله البائعة ماذا يريد أو يحاول عبثا تذكر الاسم. تحاول البائعة مساعدته غلى التذكر إلا أنه يعجز تماما عن تذكر اسم العطر، عطر زوجته المفضل. بعد دقائق أحمر فيها وجهه، وبدت عليه كل علامات الاضطراب، غادر المتجر وهو يعد البائعة، التي تبتسم بعطف، بأن يعود إليها ومعه الاسم مكتوبا.
ويحدث الكاتب زوجته بانه تم تشخيصه "بمرض الزهايمر" وهو في بداياته، وإن صفوة الصفوة أصيبوا بهذا المرض الذي اكتشفه "ألويس الزهايمر" العالم الالماني في عام 1906، وقد أصيب كل من جولدواتر، والنجمة ريتا هيوراث، وشارلتون هيستون، وأشهرهم رونالد ريجان، الذي وصف المرض بأنه" مرض جميل! تقابل الأشخاص أنفسهم وتظن أنك ترى وجوها جديدة كل يوم".
ويحدث يعقوب العريان زوجته بأنه سأل أبنه ذات يوم " من أنت" وكرر السؤال لابنته هيفاء. وقد أفاق يوما في الصباح وهو يردد بيت المتنبي:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكن أمانيا
ويبين لنا يعقوب العريان كيف تختلط عليه الأمور خلال مسيرته المرضية، ولا يقصد هنا حسب الكاتب "الاختلاط بين الجنسين الذي لم يصبح منكرا عظيما وطامة كبرى إلا في عصور الأمة المتخلفة".
ويذكر لنا بطل القصة كيف انتابته الكآبة وهو في رحلته العلاجية، وحالات القلق بسبب خوفه من نسيان الماضي واحتراقه بسبب تقدم مرض "الزهايمر" ويصبح بعدها رجلا بلا ماض، بلا ذكريات، بلا أمس. وينسى الإنسان ابتسامة أمه المضيئة، وملامح أبيه الرضية، أن ينسى كل صديق عرفه، أن ينسى اسم زوجته الأولى، وألا يتعرف على زوجته الثانية لو رآها، مصادفة، في الطريق.
ويتحدث يعقوب العريان عن الجانب الايجابي للنسيان، والمعاناة التي قد يتعرض لها الإنسان أثناء طفولته وتكون سر شقاءه ، مثل الطفل الذي يتعرض للتحرش الجنسي، وإهانات الكبار، وقصص الحب الفاشل، المصاعب المالية، حكايات الغدر والخيانة، فقد الأحباب والأصحاب، فهل نسيان تلك الأشياء تجعل الإنسان سعيدا؟ ولكن مرض " الزهايمر" مع الأسف لا يفرق بين نسيان الجيد والسيئ، ولا يفرق بين القبلة الحالمة وذكرى الطعنة القاتلة. لا يفرق ما عمله الأصدقاء وما فعله الأعداء.أنه يمحو كل شيء. فبدون ذاكرة لا توجد تجارب.
وأثناء وجود يعقوب العريان في دور الرعاية الغربية قرأ كتابا عنوانه" الموت بسرعة بطيئة" ، ويذكر لزوجته ما ورد في هذا الكتاب الذي صدر في عام 2004 للكاتبة اليانور كوني والتي تتلخص في مواجهة ومعاناة ابنة لرعاية والدتها المصابة "بمرض الزهايمر" الذي أطلق عليه اسم "الوحش". وكيف تعيد الأم لابنتها يوميا نفس الكلام آلاف المرات وتغلق الأبواب لعشرات المرات، وقد أصبحت ألابنه تعيش على المهدئات مما أدى بها إلى الإدمان بسبب تلك المعاناة الرهيبة. وفي النهاية تترك الابنة والدتها في دور الرعاية بعدما وعدتها لأخذها إلى نزهة قصيرة، وتوصف نظرة الأم عندما شعرت بالتخلي عنها، وشعور الابنة بالألم والحرقة في تلك اللحظة. وفي هذا الموقف يوضح يعقوب العريان لزوجته سبب سفره وقرار البعد لكي لا تتعرض أسرته لهذا الشعور ويجنبها الشعور القاسي بالذنب.
ويحاول في نهاية القصة يعقوب العريان أن يجد طريقة يجابه بها هذا المرض الملعون ويبحث في ثنايا القصص والكتب مخرج للمواجهة مثل الحب والإيمان، ويشعر في نهاية المطاف بأنه طفل يتيم ضائع ومهجور.
الخلاصة:
لقد أضافت هذه القصة للمكتبة العربية موضوعا هاما من الجانب الأدبي والجانب التخصصي، ووصف المعاناة لمرضى "الزهايمر" ومقدمي الرعاية لهم. وهذا الكتاب القيم يعكس التدرج لتدهور الذاكرة والأعراض المختلفة التي يمر بها المصاب بمرض "الزهايمر". وإنني أنصح بقراءته وتشعر من خلاله بالسفر إلى النهاية المؤلمة التي يصبح فيها الإنسان بدون ذاكرة.
الدكتور عادل العوفي
استشاري ورئيس مستشفى الطب النفسي
ديسمبر 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق