حقوق المريض النفسي
يختلف المرض النفسي عن غيره من الأمراض كونه يؤثر على وظائف مهمة مثل الوعي والإدراك، والتمييز والتفكير ، والإرادة، والحكم على الأمور والاستبصار، والقدرة على اتخاذ القرار, والحالة الوجدانية, والسلوك. وهذه الوظائف تتأثر بدرجات متفاوتة طبقا للحالة المرضية الموجودة, وقد يزداد الاضطراب في الحالات الذهانية بشكل واضح ومؤثر بشكل يستدعي تدخل الأسرة وأحيانا المجتمع بهدف توفير الرعاية, وأحيانا الحماية وربما الوصاية المؤقتة أو الدائمة. وقد يبالغ الأهل أو المجتمع في الحماية أو الوصاية بشكل يؤثر على حقوق المريض النفسي كإنسان, حيث يتحول الأمر من جانبهم إلى نوع من السيطرة والاستبداد والقمع تحت ستار المرض النفسي. وقد يحدث عكس ذلك فيتعرض المريض للإهمال أو النبذ أو الوصم أو الإيذاء.
ويجب الإحاطة بكل هذه العوامل ووضعها في الاعتبار حين نتعامل مع المريض النفسي على المستوى العائلي أو المجتمعي أو الطبي أو القانوني .من هنا نشطت في العالم كله دعوات للمحافظة على حقوق المريض الذي فقد بعضا من وظائفه المعرفية أو اضطربت وظائفه الوجدانية والسلوكية .
تاريخ مضيء وحاضر ملتبس:
• اهتم قدماء المصريين برعاية المرضى النفسيين والحفاظ على حقوقهم وكرامتهم, ويظهر ذلك في الكثير من البرديات والآثار التي تركوها.
• تبنى أبقراط دعت وجهة نظر موضوعية تجاه الأمراض النفسية ، ونفى المعتقدات حول قدستها أوغموضها، في محاولة للتصدي للمفاهيم السائدة في عصور الظلام والتي كانت ترى أن المرض النفسي تسببه أرواح شريرة. وترتب على هذا فضرب وتعذيب المرضى لطرد الأرواح الشريرة.
• اهتم قدماء المصريين برعاية المرضى النفسيين والحفاظ على حقوقهم وكرامتهم, ويظهر ذلك في الكثير من البرديات والآثار التي تركوها.
• تبنى أبقراط دعت وجهة نظر موضوعية تجاه الأمراض النفسية ، ونفى المعتقدات حول قدستها أوغموضها، في محاولة للتصدي للمفاهيم السائدة في عصور الظلام والتي كانت ترى أن المرض النفسي تسببه أرواح شريرة. وترتب على هذا فضرب وتعذيب المرضى لطرد الأرواح الشريرة.
• وفي الوقت الذي كان المريض النفسي يعامل بقسوة في أوروبا فيربط بالجنازير ويضرب ويحرق بالنار, قام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بتأسيس أول بيمارستان للمرضى العقليين بدمشق سنة 93 ه (707 م), وكانت تخصص لهم جرايات تنفق عليهم للعيش داخل البيمارستان وخارجه. وفي سنة 151 ه (765م) أسس العباسيون في بغداد أول قسم مخصص للأمراض العقلية, نسجت على منواله جميع العواصم الإسلامية في الشرق والغرب, وكان أشهرها مستشفى قلاوون في مصر والتي كانت تحوي قسما للأمراض العقلية جنبا إلى جنب مع التخصصات الطبية الأخرى. واهتم العرب والمسلمون بتزيين المصحات النفسية بالنافورات والحدائق, كما اهتموا بتوفير الوجبات الغذائية الخاصة ، والحمامات ، والأدوية ، والموسيقى للمرضى النفسيين، واعتبروا ذلك واجبا دينيا ومجتمعيا.
• كانت الأوضاع في أوروبا مختلفة جدا. طيلة العصور الوسطى وعصور النهضة والتنوير . تعرض المرضى النفسيين الى ظروف رهيبة من المعاملة الوحشية والغير إنسانية للمرضى النفسيين. و قام الإخوة "سان جان دي يو " في أوائل القرن الخامس عشر ببناء أول مأوى أوروبي للأمراض النفسية بفلنسيا على مثال البيمارستان الذي بني بالقاهرة ،ثم انتقل الإخوة "سان جان دي يو" إلى فرنسا وشيدوا مأوى شارنتون بطلب من الملكة ماري دي ميد.
• وفي الوقت الحاضر نرى تقدما علميا رائعا وزيادة مضطردة في الأدوية والوسائل المستخدمة لعلاج الأمراض النفسية, كما نجد أيضا جنوح لدى الكثيرين في اعتبار تلك الأمراض ناتجة عن تأثير الجن وبناءا على ذلك تنتشر ممارسات إخراج الجن على يد دجالين ومشعوذين متسترين بشعارات دينية أو شبه دينية.
حقوق المريض النفسي:
1 - حقه في العلاج:
والحق في العلاج هنا ليس فقط واجبا إنسانيا أو مجتمعيا, وإنما هو تكليف شرعي, فمن المقاصد الأساسية للشريعة حفظ النفس وحفظ العقل. وهذا الحق يتضمن:
• علاج المريض في مكان مناسب وبأدوية ووسائل علاجية مناسبة دون تفرقة على أساس الفقر أو الغنى أو اللون أو الجنس أو العقيدة.
• عودة المريض إلى بيته وحياته الطبيعية في أول فرصة تسمح بذلك, وأن لا يتم احتجازه لآجال طويلة دون دواع طبية.
• حق المريض في أن يعالج في بيئته الطبيعية وبين أهله كلما أمكن ذلك, وهو ما يسمى في الطب الحديث ب "العلاج المجتمعي", حيث تصل الخدمة الطبية إلى مستحقيها دون انتزاعهم من بيئتهم الطبيعية.
• حق المريض النفسي في فهم طبيعة مرضه بقدر الإمكان، وفهم طبيعة العلاجات التي يتلقاها وموافقته عليها إذا كان مستبصرا بمرضه.
• حق المريض النفسي أو المريضة النفسية في المعالجة التي تلتزم بالحدود والضوابط المهنية للعلاقة بين المريض والمعالج، وهذا يستلزم قدرة وضبطا من المعالج, وأن لا يستغل ضعف المريض أو المريضة في هذه العلاقة.
• حق المريض في الرعاية اللاحقة والتأهيل .
2 - حقوقه المدنية:
وهذه الحقوق لا تقل عن حقه في العلاج, فهي تتصل بكونه إنسانا مكرما, يعامل بالعدل والرحمة والإحسان, ومن هذه الحقوق على سبيل المثال:
* حقه في الزيارات أثناء حجزه بالمستشفى
* حقه في الاتصال بالعالم الخارجي من خلال التليفون, ومشاهدة التليفزيون, وسماع الراديو, وقراءة الصحف والمجلات والكتب
* حقه في تدبير شئونه وإدارة أمواله متى كان ذلك ممكنا, ويستثنى من ذلك حالات الحجر أو الوصاية بضوابطها الطبية والشرعية
* حقه في الإقامة في مكان ملائم
* حقه في وظيفة ملائمة لظروفه تهيؤها له الدولة أو مؤسسات المجتمع المدني وتراعى في ذلك صعوبات تكيفه ومحدودية قدراته وحاجته للدعم المستمر
* حقه في نوعية حياة جيدة سواء داخل المستشفى أو في بيئته
* حقه في الحرية ما لم يكن في ذلك إضرارا بنفسه أو بالآخرين
* حقه في الاحتفاظ بكرامته بعيدا عن الوصم الاجتماعي, فوصمة المرض النفسي قد تحرم صاحبها من كثير من حقوقه كالعمل والزواج والعلاقات الاجتماعية
* حقه في الرعاية الأسرية دون المبالغة في فرض الحماية أو الوصاية عليه
* حقه في الرعاية المجتمعية سواءً الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني
* حقه في المحاكمة أمام محاكم خاصة لديها القاعدة القانونية إضافة إلى خلفية طبية تدرك بها طبيعة المرض النفسي وظروفه وتأثيره على وعي المريض وتمييزه وإرادته وسلوكياته.
وقد تأكدت هذه الحقوق عالميا في إعلان الأمم المتحدة في عام 1991 حول حقوق المريض النفسي, ومن أهمها الحق في العلاج باستخدام الوسائل الطبية الحديثة, وأن يحصل المرضى النفسيون على ذلك دون تفرقة, على أن يتم ذلك باختيار المريض, أو بأقل قدر من القيود على حريته.
إن حضارات الأمم تقاس بمدى رعايتها للضعفاء, والمريض النفسي هو أحد الضعفاء خاصة حين يفقد القدرة على إدارة حياته ويعجز عن التكيف مع الظروف المحيطة به بسبب مرضه, وما هان مستضعفو أمة على أقويائها إلا وهانت كل الأمة.
جهود طيبة
ردحذف